المرحلة التحضيري :
ومهما يكن نوع المؤسسة، يمثل التعليم التحضيري فضاء للتنشئة الاجتماعية وللتعلّم، الذي يهدف بالأساس حسب 79,30% من المرّبين المستجوَبين إلى تحضير الطفل للتمدرس.
ومن ضمن النشاطات المقترحة على الأطفال، نجد أنّ القراءة والكتابة تمثّلان المرتبة الأولى بنسبة (% 90.24)، متبوعتان بالأناشيد بنسبة (%86,56)، ويليهم اللّعب بنسبة(% 82,70)
وبهذا يظهر تنوّع برنامج التحضيري الذي لا يخلو من اللّعب، كونه منهجٌ مُعتمد لهاته الفئة للاستيعاب أكبر قدر ممكن، وهو ما يرتكز عليه التعلّم عن طريق اللّعب، على غرار ما تنصح به الدكتورة ماريا مونتيسوري في دراساتها.
وتعتبر فترة ما قبل المدرسة الابتدائية، من أخطر مراحل النمو لدى الطفل، لأهميّتها القصوى في تكوين شخصيته بصورة تخلّف أثرها على بدنه، وعقله، ونفسيّته، وسلوكه عبر مراحل حياته، فالطفل خلال السنوات الأولى يكون أكثر قابلية للتأثر بالعوامل التي تحيط به، بسبب عدم اكتمال نموّ عواطفه وانفعالاته ، وهذا التأثر يمكن أن يكون سلبيا كما يمكن أن يكون إيجابيا، فالتربية التحضيرية توفر البيئة التربوية اللازمة لضمان أحسن نموّ نفسيّ واجتماعيّ وفكريّ لهم. وإن كان هذا لا يعني أن التربية التحضيرية تعوض التربية الأسرية، لأن الطفل بحاجة ماسة إلى وجوده بين أمه وأبيه وكلّ أفراد عائلته، التي تمثل له الأمان، وتوفر له الحنان، فالتربية التحضيرية تكمّل عمل الأسرة.
وتختلف هذه المرحلة من ناحية التدريس حسب طريقة كلّ معلّمٍ في إيصال المعلومات للطفل، وتنشئته قبل أن ينتقل لمرحلة مهمّة (مرحلة السنة الأولى ابتدائي).
و هنا سننطلق من ضرورة التهيئة النّفسية للطفل قبل وأثناء خوضه هذه التجربة،
التي ستحدّد مدى قدرته على التكيّف مع هذا العالم الجديد.
حيث نقسّم المشاكل التي يعانيها معظم هؤلاء الأطفال إلى قسمين هما مشاكل الخوف والخجل.
أولاً/ الخوف
1.الخوف من الذهاب إلى المدرسة:
وتعتبرُ حالة مرضية تظهر على الطفل، على شكل رفضٍ شديد للذهاب إلى المدرسة، أو دخولها دون وجود سبب واضح لديه.
أسبابها:
-مشكلة الأطفال الذين تربوا تربية خاصة: تقوم على الحماية والرعاية البالغة، ما يجعل طبعهم رقيقا لا يمكّنهم من التّنافس، أو حماية أنفسهم ممّن اعتدى أو أساء إليهم، فيختلقون الأعذار ويظهرون الضجر، وعدم الرضا، ويتذمّرون من كل شيء .
2.خوف الطفل من المربية:
الأمر الذي يحدث نتيجة تخويف الأب لابنه كأن يهدّده بإرساله إلى المؤسسة التحضيرية، ويقوم بتخويفه بالمربية في حال عدم تقبله للدّراسة.
أعراض فوبيا المدرسة:
عادة ما يختلق الأطفال الذين يعانون من فوبيا المدرسة مبرّرات مقنعة، يستعملونها كحِيل لعدم ذهابهم إلى المدرسة. فقد تظهر على هؤلاء الأطفال بعض الأعراض المرضية: كالصداع، وآلام البطن والإسهال...إلخ.
طرق لتجنّب وعلاج فوبيا المدرسة:
يجب أن نشير إلى أنّ الخوف حالة طبيعية، إلا أنّ تضاعفه يصبح حالةً مرضيةً، وقد يؤثر على مستقبله.
لذا كأخصائيّين نفسانيّين ننصح بضرورة الالتزام بالنصائح والتوجيهات التالية:
-محاورة الطّفل لمعرفة سبب خوفه من المدرسة، فقد يكون بسبب نظرته السلبية للمدرسة أو للمعلم، من خلال حديث من هم أكبر منه أو من سبقوه إليها.
-تجنّب الضغط عليه قبل معرفة سبب نفوره من المدرسة، تجنّبا لهروبه ومضاعفة نفوره منها.
-اشتراك جميع الأطراف في محاولتهم لعلاج هذه المشكلة، بدءا من الأسرة، وصولا إلى حارس المدرسة، المدير، المعلّمين، والمرشد النفسي، وكل الفرقة البيداغوجية المتواجدة بالمدرسة.
طريقة وضع الخطة العلاجية للتخلص من الخوف لدى الطّفل:
ويقوم بوضعها المرشد النفسي بالمدرسة، بمشاركة فريق العمل العلاجي، من خلال شرح منهجيّتها وإبراز دور كلّ فرد فيها. حيث يرجع أفراد فريق العمل العلاجي للمرشد الطلابي متى جدّ جديدٌ أثناء التطبيق، ويقدم الفريق تقارير يومية للمرشد للوقوف على الخطّة، ومسارها، وما تحتاج له من تعديل يوميّ، حيث يقوم المرشد بتهيئة البيئة المدرسية والمنزلية للعمل.
وعليه فتكاثف الجهود يساعد في إخراج الطفل من هذه المشكلة، من خلال ضبط البيئتين الآتيتين:
1.ضبط البيئة المدرسية:
-تحديد مدخل ومخرج واحد للمدرسة.
-وجود خاصية الإقفال لأبواب أقسام التّدريس.
- تميز المربّي بالصبر، واستعداده للتعامل مع الطفل بالصفة المطلوبة مهما بدر منه من سلوك غير مرغوب فيه أثناء الفترة العلاجيّة.
-إشعار الهيئة التعليمية بالمدرسة، بتحديد فريق التدخل العلاجي للطفل.
2.ضبط البيئة المنزلية:
-إعطاء التعليمات لجميع أفراد الأسرة بعدم مناقشة موضوع الخوف على الإطلاق،مع تجاهل الطفل إذا أراد مناقشة ذلك، بتغيير الموضوع من قِبل الوالدين.
-أهمية إقناع الوالدين بالتعامل مع موضوع الطفل بالذهاب للمدرسة على أنه أمر مسلّم به ولا مناصّ من تغييره.
-يتم تجاهل شكوى الطفل من قبل الوالدين (بعد معرفتنا بسلامة صحته مسبقاً)، حول الأعراض السابقة الذكر التي قد تظهر عليه ليلة أو يومَ ذهابه إلى المدرسة.
-التركيز على الوالدين بأن لا يتحسسا رأس الطفل، ولا يسألانه عمَّا إذا كان يشكو من حرارة أو ألم مع اقتراب موعد ذهابه إلى المدرسة.
-التركيز على الوالدين بأهمية عدم استخدام أي نوع من أنواع العنف اللّفظي، أو الجسدي.
أدوار فريق التدخل أثناء الخطة العلاجيّة:
-دور مدير المدرسة: يقوم بعقد اجتماع للهيئة الفنية والإدارية بالمدرسة، للإقرار بما جاء في الخطة العلاجية للمرشد النفسي بالمدرسة، ويعطي الدور للمرشد لتوضيح الخطة والتعريف بالفريق العلاجي للحالة.
-دور المرشد النفسي بالمدرسة: يقوم بوضع الخطة وتوضيحها وتوزيع الأدوار والإشراف والمتابعة والتعديل على الخطة متى دعت الحاجة إلى ذلك. حيث يوضح للهيئة الفنية والإدارية ما سوف يطرأ على البيئة المدرسية، وبعد ذلك يقوم بعقد اجتماع آخر مع أفراد فريق التدخل العلاجي، ويقوم بتوضيح الخطة، ودور كل فرد في الفريق. حيث يبدأ بدور الوكيل.
-دور الحارس: يأخذ الحارس دور المشرف على الحالة في بداية الدوام المدرسي، حيث يقوم وليّ الطفل بتسليم هذا الأخير للحارس أمام باب المدرسة، مع ضرورة مغادرته على الفور(دون الالتفات خلفه).
يتعامل الحارس مع الطفل بحزم، فيصطحبه قائلا (هيا إلى الصف)، ويسلمه إلى معلم الصف مهما أبدى الطفل من ( مقاومة، وصراخ، ورفض كعضه ليد الوكيل...)،
ويستمر دور الحارس حتى تنتهي مقاومة الطفل في الدخول إلى المدرسة.
-دور معلم الصف مع الطفل: يقوم بإدخال الطفل إلى الصف، ويأمره بالجلوس في مقعده، عندما يكون الطفل في حالة ( بكاء مستمر أو رفض للجلوس، أو صراخ وطلب لوالديه، أو رغبة في الذهاب إلى المنزل، أو محاولة للخروج من الصف ) يقوم المعلم بإقفال باب الصف، ويتجاهل ما يصدر عنه، ولا يتدخل إلا عندما يصمت لفترة بسيطة. حيث يقوم بتشجيعه ووصفه بأنه طفل هادئ ولطيف.
ربما يستمر الطفل بالصراخ أو البكاء حتى يصل لمرحلة الغثيان، حينها يتدخل المعلم بتقريب محارم التنظيف له دون أن يطلب منه تنظيف ذلك، ويواصل المعلم تعليم التلاميذ الآخرين دون إعارته أي اهتمام، ويكتفي بمراقبته دون أن يلاحظ الطفل ذلك، ليقوم بتشجيعه وتعزيزه في حالة هدوئه.
ليس هذا ما يحدث فقط بل ربما يقوم الطفل بشتم المعلم، أو عضه، أو ضربه، أو رمي الطاولة والمقعد على الأرض، ومع ذلك يتجاهله المعلم وإذا تدخل فيكون تدخله حازما بوضع الطفل في مقعده، أو توجيه الأمر إليه بالجلوس على المقعد، مثلما يجب أن يكون تدخل المعلم حازماً أيضاً في الحالات الطارئة التي قد تعرض الطفل للخطر، وإعادته لمكانه. ومن خلال الحالات المتعامل معها لا يستغرق هذا الموقف أكثر من ساعة أو ساعتين في اليوم الأول وبعد ذلك تضعف المقاومة إذا أحس الطفل بأنّ الأمور التي كان قد جربها في الماضي ونجحت، أصبحت غير مجدية، فيستسلم للنظام الجديد، بعد أن يستنفذ كل الطرق المربحة سابقاً. ويمكن أن يكون خلال ثلاثة أيام طفلا عاديا في المدرسة.
ثانيا/الخجل
يشعر الطفل عند التحاقه بمؤسّسة التربية التحضيرية لأول مرة، أو عند انتقاله إلى مدرسة جديدة أنه شخص منعزل، غير معروف، ويُنظر إليه نظرة بنظرة الدّهشة والاستفسار، ولذلك يشعر بالحرج وعدم السعادة، وبالرغبة في الهروب من الموقف، كما قد يحدث شجارا أو تبادلا لألفاظٍ نابية .
أسباب الخجل عند الطّفل:
يظهر الأطفال فروقًا فردية منذ الولادة من خلال ردود أفعالهم، وكيفية استجابتهم لمحيطهم، وتختلف أسباب الخجل بحسب شخصية كل طفل، والظروف البيئية التي يعيش بها:
-أسباب جينية (الوراثة): تحمل الجينات سمات الوالدين أو أحدهما، وأحيانًا تكون سِمات للأقارب، فالطفل الذي لديه جينات وراثية يكون استعداده للمشكلة أكبر من طفل ليس في جيناته سمات الخجل.
-أساليب التربية: القسوة الزائدة، أو الإهمال الزائد، أو عدم الثبات والتّأرجح في التربية.
الإفراط في توجيه الطّفل وتأنيبه لأتفه الأسباب، والسّخرية منه أمام الناس، فذلك يشعره بضعف الثقة بالنّفس وعدم قدرته على القيام بشيء، فيزيد مشاعر القلق والخوف لديه.
وجود إعاقة جسدية، أو مشاكل في النّطق، كالتلعثم أو التأتأة.
-إفراط الأم في العناية بطفلها، واعتماده عليها في احتياجاته اليومية من أكل وشرب..، وعدم السّماح له بالاختلاط مع الأصدقاء بحجة الخوف عليه من الأذى، يجعله طفلًا اتّكاليًا ويعزز شعوره بالخجل.
-انعزال المسكن وبعده يجعل احتكاكه بالناس ضعيفا جدًا.
-التقليد: وجود نماذج خجولة في المنزل كالوالدين أو الإخوة قد يدفع بالطفل لتقليدها، فيصبح بدوره خجولًا.
طرق للتخلّص من الخجل:
-إذا لاحظت في أولى أيام مرحلة التحضيري خجل طفلك الشّديد، فعليك بإعلام معلّمته، حتى تحاول دمجه مع أقرانه، وإعطائه الجو المناسب ليتعوّد على بيئته الجديدة.
وفي حال عدم استجابته لمحاولات المعلّمة فيجب إحالته إلى أخصائي نفسي ليعرف السّبب الحقيقي وراء خجله ورفضه الذهاب للمدرسة.
-تجنب وصف الطفل بالخجول، لأنّ تكرار هذه الكلمة أمامه يغذّي شعوره بالخجل، ويجب استبدال ذلك بعبارات إيجابية.
-مكافأة الطفل في كل مرة ينجح فيها بالاندماج في بيئته )خصوصا مع الأيام الأولى لدخوله المدرسي).
-عدم مقارنة الطفل بغيره، سواء بالقدرات أو التّحصيل أو الذكاء.
ملحوظة:
يتميز الطفل في هذه المرحلة بقدرته الكبيرة على الحفظ، لذا يستحسن استغلال هذه القدرة لتعويد الأطفال على حفظ بعض الآيات القرآنية والأحاديث والأناشيد، كما يزداد فضوله في حب الاستطلاع، مما يوجب تشجيع المناقشة وإقامة الأنشطة التي يُكثر فيها من الملاحظة والممارسة المرفوقة بالتساؤلات التي تدور في ذهنه، كما يزداد حبّ انتمائه للجماعة.
وممّا ذكر إجمالاً يجب الوصول بالطفل إلى حالة التوازن النفسي والانفعالي، والابتعاد عن الحرج والتوتر والإحباط.